- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
البحث عن المبادئ الحقيقية للمنتج
إن نجاح أي منتج أو خدمة لا يتحقق بمجرد التفكير في المزايا التقنية أو الشكل الخارجي، بل يبدأ من فهم عميق لبيئة العميل وثقافته وتراثه وتاريخه. فالمجتمع ليس فراغاً، بل هو شبكة معقدة من العادات والتجارب والرموز التي تشكل ذائقته وحاجاته. كما يقول عالم الاجتماع بيير بورديو: «الممارسات الاجتماعية لا يمكن فهمها إلا في سياقها التاريخي والثقافي الذي يمنحها معناها». ومن هنا ندرك أن ما نجح في مجال الموسيقى أو الرياضة أو الطعام أو الترفيه يمكن أن يعكس لنا مبادئ حقيقية تصلح أن تُطبق في ميادين أخرى.
إن دراسة هذه النماذج السابقة ليست مجرد عملية تقليد، بل هي بحث عن القواسم المشتركة التي تكسب ثقة الناس وتجعلهم يقبلون على استخدام منتج أو خدمة دون شعور بالغربة أو المقاومة. أشار عالم النفس أبراهام ماسلو في حديثه عن الحاجات الإنسانية إلى أن: «الإنسان حين يجد أن أحد احتياجاته الأساسية ملباة بطريقة مألوفة ومفهومة، فإنه لا يحتاج إلى إقناع طويل أو تدريب معقد». وهذا يوضح لنا كيف أن بعض الخدمات والمنتجات التي تتغلغل في المجتمع تصبح جزءاً من الحياة اليومية، فلا تحتاج إلى معاهد للتعليم ولا إلى حملات توعية كبرى، لأنها ببساطة أصبحت جزءاً من الثقافة السائدة.
وعلى المستوى الاقتصادي، يرى جوزيف شومبيتر أن الابتكار الناجح هو ذاك الذي «يعيد تنظيم الموارد بطرق تستجيب مباشرة لما اعتاد الناس أن يثقوا به ويستخدموه». هذه الفكرة تؤكد أن تقليل التجربة والخطأ في تصميم المنتجات مرتبط بالبحث عن المبادئ الحقيقية التي كانت وراء نجاح منتجات أخرى حتى وإن اختلف مجالها.
وفي جانب علم الأنثروبولوجيا، تذكر مارغريت ميد أن: «الثقافة هي العدسة التي يرى الناس من خلالها العالم، وهي التي تحدد ما يمكن أن يكون مقبولاً أو مرفوضاً». فإذا أردنا أن نصل إلى ذروة الطلب في مجتمع ما، علينا أن نعرف جيداً كيف يرى هذا المجتمع نفسه وكيف يريد أن يُرى.
المنتج الذي ينجح ليس هو المنتج الذي يُصنع فحسب، بل هو ذاك الذي يُصنع ويلامس احتياجات البيئة واحتياجات العميل، ويتوافق مع سلوكه وذوقه العام. فالنجاح الحقيقي للمنتج لا يتوقف عند مرحلة الابتكار أو التصميم، بل يمتد إلى ما بعد ذلك عبر المؤسسات الفنية والتقنية والتعليمية التي تتبنى تعليمه وتدريب الناس على استخدامه، وتوفّر له خدمات ما بعد البيع من صيانة وتشغيل وتركيب.
«لدينا إرث يمكن أن ينكسر بسهولة، ولكنه صعب جداً أن يُعاد بناؤه»
– راهول باجاج
فالقيمة الحقيقية لأي منتج أو مؤسسة لا تكمن فقط في لحظة الابتكار، بل في الإرث الذي يتركه داخل المجتمع، ذلك الإرث الذي يمكن أن ينكسر بسهولة إذا لم يُدعَم بالبساطة والاستدامة، لكنه في المقابل يحتاج إلى وقت طويل وجهود عظيمة لإعادة بنائه.
فإذا كان تطوير المنتج ملامساً لحاجة حقيقية، فإنه سيجد القبول والانتشار بشكل طبيعي، وسيتحول إلى خيار أساسي لكل من يعمل في هذا المجال، سواء كانوا فنيين أو منخرطين في التعليم الفني أو في المؤسسات التقنية. ومن هنا يتوسع نطاقه ليشمل مختلف التخصصات والقطاعات، فينشأ حوله نظام متكامل من الأفراد المستقلين والمؤسسات التي تضمن استمرارية خدماته بشكل تلقائي وعفوي.
وهذا التكامل هو الذي يعزز استدامة المنتج، فلا يقتصر دوره على مجرد الظهور في السوق لفترة قصيرة، بل يعيش لأطول مدة زمنية ممكنة لأنه أصبح جزءاً من البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، مدعوماً بجهود المجتمع نفسه في الحفاظ عليه وتطويره.
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى

تعليقات
إرسال تعليق